بسم الله الرحمن الرحيم
اصبر حتى يعجز الصبر عن صبرك...
أن لا أتكلم إلا إن كان هناك حاجة لذلك، أو طلب أحدهم إليّ الحديث سائلاً رأيي ومعونتي، فمَن كَثُر كلامه كَثُر سقطه، والإنسان كثير الكلام يراه الناس أرعنَ، خصوصاً إن كان لا يتقن فنون الكلام!! وكثير الكلام يتحاشاه الناس لأنهم يعلمون تمام العلم أنه لا يكتم سراً، وكثير الكلام يتجنّبه الناس لأنه عادة ما يكون سبباً في وقوعهم في مشاكلَ هم أصلاً كانوا في غنىً عنها، لولا أنْ تكلم هذا الثرثار!
والصمت يزيد الإنسان وقاراً وهيبة، ويُعطي من أمامك انطباعاً بأنك إنسان حكيم تقيس الأمور بمقياس عقلي، فيقف من أمامك حائراً أمام صمتك، فإنْ كان عدواً أو خصماًً صَعُب عليه الإيقاع بك، فكيف يأخذ عليك كلاماً لم تنطقه شفتاك، فيزداد غيظه، فيحاول أن يستفزك ولكن هيهات هيهات، فأنت كما أنت، الإنسان الصامت الذي يصعب معرفة ما يجري في قرارة نفسه، وهو بكلّ من حوله شاعر وعالم.
الصمت يجعل من حولك يحتارون لأمرك، حتى يصبحوا متلهفين لمعرفة ما تحمله هذه النفس بين طياتها، وما تحمله تلك العيون التي قلّما رمشت في بحورها، فاصمت ولا تتكلم إلا اذا كان لغيرك بكلامك حاجةٌ أو دعتك إلى ذلك ضرورةٌ، وتلك الحكمة بعينها...
علمتني غربتي أن أكون صبوراً
علمتني غربتي أن أكون صبوراً، فالصبر مفتاح الفرج، والإنسان الصبور يرى دوماً في صبره اقتراباً لظفره وتفريجاً لكروبه.
اصبر، فالقدر يحمل لك بين طيّاته الكثير من المآسي والمصائب والويلات، وانعدام الصبر سيكون سبباً في تحطيم نفسك وانقطاع أملك في مواصلة المسير..
اصبر، فبعض من حولك يحملون في صدورهم غلاً وحسداً سيكون سبباً في ظلمهم لك، وانعدام صبرك سيكون سبباً في تعاستك وبؤسك..
اصبر، فأنت بشر ونفسك مليئة بشهوات تسعى لإشباعها، وانعدام صبرك سيكون سبباً في وقوعك في المعاصي والمحرمات...
اصبر وصابر ورابط، فأعداء الدّين قد احتلوا بلادك وانتهكوا عِرضك ووضعوا بنادقهم في صدور أهلك، فانعدام صبرك سيكون سبباً في ذلّك وهوانك والموت أرحمُ من ذلك!!
اصبر، وتأكد أنّ الظلم لا يدوم، فستسطع شمس فجر جديد، تنسى فيه كل معاناتك...
اصبر واعلم أنّ في صبرك إرضاءً لخالقك الذي أمرك بالصبر، وصقلاً لنفسك التي يهذبها الصبر، ونيلاً لاحترام الناس الذين يَعْجَبون لعِظَم أمر الصبر!!
اجعل من صبرك الدرع الذي تتقي فيه غدر السنين، والعتاد الذي تقاوم به غدر المحتلين، اصبر حتى يعجز الصبر عن صبرك...
م/ن