كان في غاية القلق و الاضطراب و التوتر حتى انه قلقه قد فاق كل الحدود... و كيف لا يقلق و حبيبته و روحه و كل حياته و كل أمله و زوجته الغالية العزيزة التي لم يعشق أبدا سواها .. تلد الآن ؟
كان في حالة غريبة من التوتر و الترقب و اللهفة و الأمل و السعادة المكتومة ... انه سعيد طبعا سعيد إلي درجة لا تصدق و هذا لأنه سوف يرزق بطفل أو طفله من زوجته و كل روحه و ملهمة كيانه و أميرة فؤاده.. انه يظن أن فرحته بان هناك جزء مشترك بينهما سوف يجعله يحب طفله.. اجل انه طبعا سوف يحبه لأنه ابنه نعم...... و لكن الحب الأكبر لان هذا الابن من هذه الأنثى الفاتنة الحسناء التي لم يري لها مثيل قط .. و التي عشقها بكل روحة و كيانه و فؤاده بحق ...
آه كم تؤثر به هذه الصرخات... كانت معه في المنزل عندما فاجأتها آلام الولادة.. شعر بأنه تائه ضائع و إن هذه الصرخات المكتومة المريرة التي تنبعث منها في الم و رجاء .. كانت تمزق كيانه و تدمي قلبه و تكاد أن تزهق روحة .. انه لا يطيق أن يري منها لن أقول تقطيبة حاجب و لكن اكره ما يكرهه أن يري إعراض عينها عنه و لو للحظة واحدة فما بالكم و هي تعاني كل هذا الألم و هذا العذاب ؟
أجل انه الم تعقبه فرحة كبيرة و لكن هو يفكر في اللحظة ذاتها و ذهب يرتدي ثيابه علي عجل و هو يكاد لا يري أمامه من شدة ألمه و خوفه و ضعفه و حبه لها .. و يدعو الله عز و جل من صميم قلبه أن تمر المسالة علي خير بأذن الله ....و دعا الله الكريم أيضا أن يمن عليه بخلف صالح يكون له عونا في الدنيا و سندا عند موته و فرحة و أملا في الآخرة بأذن الله سبحانه و تعالي..
و ذهب بها إلي المشفي و في الطريق كان يشعر بها ... يشعر بان بكل الم تعانيه و بكل لحظة ضعف تمر بها و بكل وخزة في بطنها و بكل عرق ينبض بداخل جسدها.... إن الحب الذي بينهما ليس كأي حب أبدا... انه يمكنه أن يحس بها حتى و إن كانت بعيدة عنه.. إن أي صرخة الم و عذاب تصدر منها الآن يشعر بها قبل حتى أن تنطقها... إن خلايا جسدها أصبحت مرتبطة بيولوجيا بخلايا جسده .. إن صرخة الألم الصادرة من فمها الصغير العب الرقيق تمر علي مخه هو قبل أن تصدر منها و يعشر بالألم الخاص بها قبل حتى أن تشعر هي به و تتأثر و تصرخ..
تري أي حب هذا الذي يربطهما ؟ أي حب هذا الذي فاق كل الحدود و جعله يتألم لامها و يحزن لحزنها و يري كل الكون بداخل فرحها و سعادتها ... و ذهب بها إلي المشفي .. لا يدري كيف و لا يدري كيف كان شعوره أو مقدار ألمه و مرارة عذابه ... انه يشعر كما لو كان إنسان فاقد للذاكرة و كان الاحداث تجري بسرعة الضوء .. لا يدري كيف كانت المسافة إلي المشقي و لا يكف كانت حالته و نفاد صبره و أعصابه...
و هناك استقبلهما الأطباء في سرعة و اهتمام و حنكة و ظل هو ينتظر في الخارج و مر بعض الوقت و خرج الطبيب و كان القلق علي وجهه و طبعا ذهب كل الدم الذي في وجهه و شعر أن الدنيا تميد به و خشي أن يقول له الطبيب كلمة لا يدري كيف سيكون وقعها عليه لو صدق حدسه... انه يخاف عليها من نسمة الهواء نفسها فماذا لو .. كلا انه حتى لا يقدر علي أن يفكر فيها و لحسن حظه لم يطل الطبيب في صمته و لم يطل من توتره و قال له إن زوجته تحتاج إلي نقل دم عاجل...
و دارت به الدنيا و شعر أن ساقيه لا تقويان علي حمله و لكن الطبيب طأنه بان نقل الدم هذا سببه أنها فقدت كثير من الدماء و هذا شئ عادي و يمكن أن يحدث في حالات الولادة .. و قال الطبيب إن فصيلة دمها غير متواجدة في المشفي الآن و أن هذا يحتاج إلي شراء كيس دم من مشفي آخر و لكنه بادر إلي عرض نقل دمه هو حيث أن فصيلة دمه مثل فصيلة دم زوجته و هو يود فعل ذلك من صميم قلبه..
و شمر عن ساعده و هو يدخل إلي الغرفة و هاله ما رأي من مشهد زوجته الممدة علي السرير ووجها شاحب جدا و لكنه رغم ذلك بدت في عينيه جميلة و بدت كأفتن غادة حسناء يمكن أن يراها طوال حياته و تمت عملية نقل الدم ...
و تم نقل حوالي لتر كامل حتى انه شعر بتعب شديد و لكن كل هذا يهون من اجل حبيبته التي لم يدق قلبه لسواها و لم يشعر بسعادة إلا بجوارها و لم يذق طعم سعادة خالصة قط إلي في أعماق حضنها الطيب الحنون الجميل...
و طلب منه الطبيب أن ينتظر بالخارج و كان هو علي قلقه و لهفته ينتظر و يتمني من الله أن يشدد من أزرها و أن تخرج سالمة حتى انه عندما حان وقت صلاة الظهر ذهب و توضأ و صلي و كم أدهشه كم هذا الخشوع و الرهبة التي أحسها و هو بداخل صلاته .. و كمية الدموع التي انهمرت من عينيه .. و شعر بالضعف و العجز و المذلة و شعر بأنه .. كم هو متكبر هذا الإنسان... الآن... الآن يتذكر الله و يبكي و يخشع كل هذا الخشوع الرهيب ؟ انه يصلي بالفعل منذ طفولته و لكن هذا الخشوع العظيم لم يشعر به لحظة واحدة في حياته من قبل و شعر بالندم الشديد.. الندم لأنه أحس كم كان مقصر في حق الله سبحانه و تعالي و كم هو ضعيف و غير متم لعبادته عز و جل و انه مهما فعل لن يقدر علي أن يعبد الله تبارك و تعالي كما ينبغي له أن يعبد.. لكنه سوف يحاول قدر جهده و بإذن الله .. يوفق إلي خير و فرحة ..
انهي صلاته و ذهب إلي المشفي مرة أخري و كله شوق و أمل لان يعرف أي أخبار عنها و يعرف هل ولدت أم أن الأمر لم ينتهي بعد....
وجد الطبيب يقول له انه رزق بطفلة جميلة... لا يقدر علي أن يصف مقدار فرحته و سعادته بهذا الخبر الذي جعل كل خلية في جسده ترقص طربا و فرحة و عشقا و كاد أن يجن من الفرحة و عندما سال عن زوجته وجد أنها بخير و الحمد لله و يمكنه أن يراها الآن ..
دخل عليها ووجدها علي الفراش و يبدو عليها التعب و الإرهاق .. و بجوارها علي فراش آخر صغير طفلة وليدة بدت في عينيه هذه اللحظة كأفتن و أجمل و غلي بنت في الكون... و انقض عليهما.. و امسك الطفلة في كل حنان الدنيا و شعر إن حبه له يفوق كل الوصف و في نفس الوقت امسك و جلس بجوار زوجته و غمر يدها الرقيقة بالقبلات الكثيرة و هي تبتسم و تقول له :-
- ما كل هذا ؟
قال لها بكل حنان الكون و دفئه :-
- احبك .. احبك... احبك..
ووضع الطفلة بجواراها بكل رقة الكون و امسك هو بأناملها الرقيقة و رمق وجهها الفتان الذي لم يقدر الإرهاق و التعب و الجهد علي أن يمحو منه أي نقطة من الجمال الذي هو في تركيبة وجهها نفسه.. و غاب .. غاب في تفاصيل وجهها و في كل ذرة في كيانها ... انه يعشق كل ذرة و كل خلية في جدها الصغير الجميل الفتان من أطراف أصابع قدميها الفاتنة إلي أطراف شعرها الحريري الناعم البراق.. و لم يجد في نفسه جملة يقدر أن يقولها غير :
- احبـــــــــــــــــــــــــــــــــك...
نطقت عيناها بابلغ و اسمي معاني الحب و الحنان و لكنها قالت مازحة :-
- ألن تمل منها ؟
قال في عشق هائل:-
- أمل منها لو مللتِ أنتِ التنفس أو مللتِ أنتِ حبي يا روحي..
وضعت أناملها الرقيقة الفاتنة علي شفتيه و قالت :-
- يا روح حياتي و نور كوني و كل كياني.. أنا لن أمل منها أبدا بأذن الله... و بإذن الله يجمعنا اله علي خير و نكون معا في الدنيا و الآخرة..
قال في خشوع و رجاء:-
- يارب يا حبيبتي .. اللهم آمين..
رمقت الطفلة بحب كبير و قالت :-
-ما رأيك بهذه الفاتنة الصغيرة ؟
قال و هو يحتوي ابنته الجميلة بعينه :-
- إنها جميلة جدا جدا جدا...
و أردف في صدق و حب :-
- و لكنه جمالها هذا لا يساوي قطرة واحدة من محيطات جمال و رقة و حلاوة أمها..
تورد وجهها الفاتن في فرحة و حب و قالت في دلال:-
-ألن تحبها أكثر من أمها ؟
قال باسما :
- يا حبيبتي يا كل ما لي في هذا الكون ... إنني أحبها لأنها جزء منك أنتِ ... جزء منك يسير علي الأرض و له كيان خالص... إن حبي لكي لا يمكن أن يضاهيه أي حب في الدنيا يا نور عيوني و أمل قلبي و فرحة دنياي .. لا مجال للمقارنة قط... و أنا أعشقك و اعشق كل ذرة في كيانك .. و أتمني لو أنني كنت جزءا منكِ ... سواء كنت قلبك أو ذراعك و عيناكِ..أو حتى ظفرك الجميل... أي شئ منك أحبه و اعشقه يا روح قلبي... آه ساعتها كنت أصبح في حالة من السعادة لا تقدر أبدا .. حيث أني أكون وقتها جوارك و معكِ أينما ذهبتِ ... كم هو شعور ممتع هذا أن أكون أنا جزءا من جسدك الجميل يا حبيبتي...
ضمته إلي صدرها في حنان دافق و هي تقول:-
- يا حبيبي.. أنت روحي و قلبي و كياني له و أنت لست بحاجة إلي أن تكون جزءا مني لأنك بداخل قلبي و بداخل روحي و بداخل عيناي و بداخل كل جزء في جسدي و كل قطعة في جسدي تهتف باسمك و تتغني بحبك .. كم أتمني لو ظللت أنت في حضني إلي النهاية لا أريد من كل الكون سواك يا حبيبي..
شعر بجسدها يرتجف فرحة و نشوة و هي تضمه إليها و شعر السعادة تغمر جسده و شعر أن جسدها ينبض بالحب و الفرحة و الاهتمام الفائق و قال لها :-
- هل ترين يا حبيبتي ...؟ حبي و عشقي لكِ أنساني ابنتنا الجميلة ..ما رأيك بها ؟
افلتته من ضمتها و إن بقيت ذراعها اليسرى محيطة بعنقه في حنان دافق وتحسست يمناها الطفلة في حب امومى جميل و هي تهتف :-
- جميلة يا حبيبة طالما أن هذه الطفلة هي جزء منك فهي جميلة و أنا اعشقها...
ثم قالت في حنان :-
- و هل فكرت في أي اسم سوف نطلقه عليها ؟
قال بدون تفكير :-
- اسمك أنتِ يا حبيبتي...
قالت في دهشة :-
- لكن لماذا ؟
قال و هو يقبل الصغيرة تارة و يقبل أصابع زوجته تارة أخري:-
- إن هذا يجعلني أحبها أكثر يا حبيبتي .. حيث أنني كلما ناديتها تذكرت و شعرت بالحب يغمرني و هكذا أكون حنون عليها و أكون محبا لها .. ثم يا روح قلبي أي اسم في الدنيا كلها يمكن أن يكون أجمل و ارق و احلي و اغلي من اسمك أنتِ يا حبيبتي ... إن اسمك نفسه يبعث السعادة و الفرحة بداخل كل كياني و اشعر بالنور يغمرني و الفرحة تسجن جوانحي كلما تذكرت أو مر علي خيالي اسمك الجميل...
لم تشعر بنفسها و هي تقول:-
- يا حبيبي يا حبيبي...
و قبلت أنامله في سعادة و حب و هو يقول لها :-
- احبك يا حياتي...
و بعابث شرها الجميل الحريري الناعم.....و بعدها قالت :-
- هل تبرعت بدمائك لأجلي ؟
قال في حب :-
- اجل يا حبيبتي .. اجل يا روح كياني...
قالت في حزن :-
- و لماذا يا حبيبي ؟ كان يمكن أن تشتري ؟
قال في سرعة :-
و لماذا اشتري يا كل حياتي ؟ إنني أقدم لكي حياتي عن طيب خاطر و لو أن عمري كله اقدر أن أنفقه من اجل أن تطفو البسمة علي شفتيك الجميلتين لفعلت... ثم إنني احسد دمائي يا حبيبتي ..
قالت في دهشة :-
- و لماذا تحسد دمائك ؟
قال و هو يغيب بداخل عينها الجميلتين :-
- لأن دمائي الآن تطوف بداخل جسدك الجميل الرقيق و تعابث دمائك الرقيقة الفاتنة... اجل يا روح قلبي إن كل شئ بكِ فاتن رقيق و جميل مميز.. فلاشك أن دمائك هي الأخرى جميلة و رقيقة و رائعة و دمائي الآن تغمر كل كيانك و تزور قلبك الفاتن الرقيق و تمر في عيونك الساحرة و كل كيانك الذي اعشق كل ذراته... إن دمائي يا روحي احسدها من كل قلبي و أقول يا ليتني كنت قرة منها حتى أكون بداخلك طوال الوقت و أكون جزءا منكِ يا حياتي...
كانت عيناها بدالها حب لا يمكن وصفه و كذلك كان هو يرمق رموشها و أجفانها عيناها الساحرة و لا يدري كم غاب عن الكون و لكن الأمر كما هو... لما رمقها شعر انه يغيب عن الدنيا و أن سحر خاص يجذبه إليها و لا يشعر بنفسه و لكن صراخ الطفلة ايقظهما من غفوة الحب هذه فقالت هي :-
- طفلة عنيدة هي ...
قال في حب :-
- بل هي لطيفة و رقيقة و رائعة... أي هي جزء من أمها الفاتنة...
و شعر بسعادة خالصة تغمر قلبه و هو يري زوجته و ابنته... سعادة لا يمكن وصفها أبدا حتى انه سجد علي الأرض يحمد الله علي نعمائه و فضه و كرمه...
حمدا لك يا الهي .. والله لو سجدت لك شكرا طوال عمري ما وفيتك حقك قط..لك الشكر..و الحمد أبدا يا الله...
تمت بحمد الله سبحانه و تعالي