نتائج رمضان
الحمدُ لله الحليمِ الشّكور، العزيز الغفور، قائم على كلّ نفسٍ بما كسبت، يحصِي على العباد أعمالَهم ثمّ يجزيهم بما كسبت أيديهم، ولا يظلم ربّك أحدًا، أحمد ربّي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له العليم بذات الصّدور، وأشهد أنّ نبيّنا وسيّدنا محمّدًا عبده ورسوله الدّاعي إلى كلّ عملٍ مبرور، اللهمّ صلّ وسلّم وبارك على عبدك ورسولك محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هلَّ شهر رمضان ... وانطلق المؤمنون أفواجاً يتعبدون الله عز وجل في كل عبادة ، فظهرت خيرية الناس ، وانقشعت ظواهر الفتور ، وسلم الناس أنفسهم لله في كل عبادة وطاعة ...
دعونا ننقِّبُ عن نتائج رمضان التي أورثها على العباد بإختلاف عباداتهم وإجتهاداتهم ، وما سيذكر الآن ...
إشارة للغافل ...
وإشعاراً بالتفاؤل ...
وإظهاراً للشعائر ...
ودعوة للعمل ...
... فمن نتائج رمضان ...
تربية النفوس على الإخلاص ، فالحبيب صلى الله عليه وسلم يقول عن الصائم ( ترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) ، فلا يستطيع الصائم البتَّة أن يأكل أو يشرب حال خلوته ، وهذا أدعى وأقرب على الإخلاص والنقاء ...
... ومن نتائج رمضان ...
أنه سبب في القوة والنصرة والتمكين ، وخير مثالاً عن ذلك تلك الغزوة التي كانت فرقانا بين الحق والباطل ، تلك الغزوة التي جعلت للمسلمين كيانا مهابا وجانبا مصونا . وبعد هذه الغزوة أصبح للمسلمين كيانا ماثلا لأعين الكفار يحسبون له ألف حساب ولا يجرؤون على تجاهله ، بعد أن كانوا مستضعفين لا يكترث بهم بل ويستهان بهم ، أصبحوا بعدها قوة ضاربة يهابها الكفار. فكانت تلك الحادثة عرسا حقيقيا في رمضان وفرحا صادقا للمسلمين في شهر الفرقان...
وفي رمضان في السنة الثامنة للهجرة تحقق أكبر فتح للمسلمين وهو فتح مكة ، وكان لهذا الفتح أثر كبير في تاريخ البشرية ، فقد قضى على الأوثان والشرك في مكة تمامًا ، وتسابقت الشعوب والقبائل إلى الدخول في الإسلام، قال تعالى عن نتيجة الفتح : (( اذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره انه كان توابا * )) ودخلت الجزيرة العربية بأكملها في دين الله ، وبدأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بعث الرسل إلى البلاد المجاورة. ووضع النبي -صلى الله عليه وسلم- الأسس الخالدة التي قامت عليها الفتوحات الإسلامية ...
إن
وفتحت عمورية ... وفتحت قبرص في عهد المماليك ... التي كانت في مثل هذا الشهر ...
... ومن نتائج رمضان ...
فرحة وإقبال الناس بقدوم الشهر ، فما إن يعلن عن شهر رمضان إلا وهبَّت نسائم الإيمان في نفوس العباد ...
وترقرقت في أعينهم أنواع القربات والطاعات ...
وسالت أنواع رسائل الجوال بالتهنئيه والتوجيه ...
وخصَّت المواقع في الشبكة المعلوماتية ملفات ٍ خاصةٍ عن رمضان...
وأصبح في غالب المنتديات منتدى خاصاً برمضان ...
ووزعت المسابقات الرمضانية بأنواعها التي تساعد على الفائدة وحفظ الأوقات ...
وسلَّ الكتاب أقلامهم لذلك...
وتجهزالعلماء والوعاظ والخطباء لنشر نفحاته بين الناس ...
وجهزت الزوايا الرمضانية بالتسجيلات والمكتبات ...
ونُسِخ مئات الآلاف من الأشرطة والمطويات ...
واهتمت المجلات الإسلامية بذلك ...
... من نتائج رمضان ...
إقبال الناس على التوبة والرجوع إلى الله ...
فما أجمل عودة التائبين إلى ربهم ...
فقد عاد خلق كثير إلى الله في مثل هذا الشهر ...
فتاب أهل الفن والطرب ، وأصبحوا نبراسا في الهدى والخير ...
وتاب أهل الفحش والمعاصي وأصبحوا يتأوهون ويتوجعون من آلام الماضي الجريح ...
يقول أحدهم /
أنا أحد هؤلاء التائبين في هذا الشهر الكريم ، وأريد منكم أن تدعو لي بالهداية ، فأنا لا أزال أجد صعوبة في الابتعاد عن خطيئة سيئة جداً، وهي خطيئة الكذب.
لا أعرف لماذا أحب الكذب، رغم أنني أعمل موظفاً في مؤسسة حكومية، وسمعتي جيدة جداً بين الناس، إلا أنني استمتع بالكذب (أبعدني الله عنه)
وكلما قررت التوبة ، خانني لساني واستسهلت الكذب في أمور عديدة ،
والمشكلة أنني أحس أن الله سبحانه وتعالى يعاقبني على ذلك ، وقد عاهدت الله خلال شهر رمضان على عدم العودة للكذب ...
ويقول آخر ...
كنت في ما مضى من عمري أحرص على الطاعات والعبادات والنوافل، ولكن بعد فترة بدأت أُقصِّر فيهن بشكل تدريجي إلى أن غصت في وحل الشهوات، بدأ القلق يلازمني وكذلك الهم والغم، كل ذلك بسبب ذنوبي ونظري للمحرمات من قنوات ومسلسلات وصور إباحية.
وبعدها ضاقت بي الدنيا بما رحبت.
فلما جاء رمضان الماضي فكرت ملياَ ورأيته سرعان ما ينقضي فعقدت العزم، وودعت المنكرات، وابتعدت كل البعد عنها ولازمت المسجد والقرآن والمعتكف ، فسبحان الله كم وجدت اللذة والراحة والطمأنينة والسعادة بعد هذه التوبة.
وجدتها في القرآن.
وجدتها في المسجد.
وجدتها في البكاء والندم.
وجدتها في الخلوات والمعتكف.
وبعد رمضان شددت العزم والهمة وواصلت المسير محاولا الوصول من غير توقف ...
وهاهو الآن يمر عليّ رمضان الثاني وأسأل الله أن أكون أفضل من سابقه.
ويقول أحدهم :
من مدمني المقاهي والله الذي لا إله إلا هو كنت أضل بالساعات الطويلة (ملل وبعد عن الله عز وجل)، وكنت أدمن المطاردة والتفحيط وعدم الاستقرار، وبعد مرور السنين تزوجت وما زلت في بعدٍ عن الله حتى شهر رمضان المبارك.
وفي اليوم التاسع من شهر رمضان أتاني خبر بأن ابن عمتي توفي وهو صائم و ساجد ومحترق من الكهرباء بعدها بدأت أفكر في النهاية التي نسيناها، والله العلي العظيم إني أبكي في الفراش خائفأ ووجلاً من الله. وكنت أسمع من بعض إخوتي هداهم الله أن الالتزام صعب للغاية، ولكنني بدأت أنظر إلى الأخيار وأقول في نفسي: " كيف يعيشون؟".
توجهت إلى إحدى التسجيلات وسألته بأن يعطيني شريط مؤثر
وقد هداني الله بعد ذلك ، وبتّ ممن التزم الدين وابتعد عن المخالفات واللهو وتضييع الوقت.
... ومن نتائج رمضان ...
إقبال بعض القنوات الإعلامية لتفعيل نسائم رمضان في أوساط المجتمع وبالأخص إذاعة القرآن ...
وقنوات المجد ...
فقد كانتا انموذجا فريدا في ترجمة رمضان بصورة إجابيه أفرزتها نتائج هذا الشهر الكريم ...
... ومن نتائج رمضان ...
مضاعفة الصدقة والبذل والجود ...
وما ذاك إلا إقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ... حيث أنه أجود ما يكون في رمضان ...
فتجد من يعطف على الأيتام ...
وتجد من يطعم الجائع ...
وتجد من يغيث الملهوف ...
وخير دليل على ذلك تفاعل الناس مع حملات التبرعات ... ففي السعودية جمع خلال ساعة ونصف 30 مليون ريال لحملة باكستان ... وهذا لم سبق له مثيل إلا في هذا الشهر الكريم ، وتضاعفت التبرعات حتى وصلت أكثر من 171 مليونا ...
وقد توافد الناس على المؤسسات الخيرية فبذلوا الغالي والنفيس إشفاقاً على إخوانهم ، وطلبا ً للأجر والمثوبة على ذلك ...
... ومن نتائج رمضان ...
مضاعفة تفطير الصائمين وتجدد الطرق في ذلك ...
فنحن شاهدنا أولئك الذين يقفون عند الإشارات المرورية قبيل أذان المغرب يوزعون على الصائمين تمراً أو رطباً وماءً ولبناً، طامعين في أجر تفطير الصائم، فما أجمل هذه اللَّّفتة الجميلة من محبي الخير، في مثل هذا الوقت الضيِّق الذي لا يتمكن فيه كثير من الصائمين من إدراك الإفطار في منازلهم.
ونجد أن كثيرا من الناس يتنافسون في البذل والعطاء لمثل هذا المشروع ...
فأهل الخير قد أقاموا الخيام في كل الأماكن من أجل ذلك ...
والبيوت ضاعفت من كميات إفطارهم من أجل خيمة الإفطار التي بجانبهم ...
وأهل البذل يتنافسون على حجز الإشارات لذلك ...
ونفحات من فطر صائماً فله مثل أجره تجري في دماء الصائمين في كل عشية ...
وتبنَّيَ الشباب لهذه المشاريع تزيد البِشرُ بشر...
فيقول قائل :-
ذهبت إلى إمام المسجد الذي بجوار مقرِّ عملي قبل رمضان بأسبوع وعرضت عليه أن أساهم في تفطير الصائمين في المسجد، فرحَّب بي ودعا لي ، وقال: إنَّ جيران المسجد قد حسموا هذا الأمر منذ سنوات، فقد أبت النساء على أحدٍ أنْ يأتي بطعام الإفطار من المطاعم ، واتفقن على أن يصنعن هنَّ إفطار الصائمين من المحتاجين والعمال وعابري السبيل ، فهنَّ يجهزن طعام الإفطار في بيوتهن منذ سنوات جزاهنَّ الله خيراً.
أما أحد المتحدثين من اللجان المتابعة لتوزيع مواقع أهل الخير والجمعيات الخيرية في المسجد الحرام وساحاته الفسيحة ، المواقع التي يوزع فيها أهل الخير مادة الإفطار على ضيوف بيت الله الحرام ، وقد حدث بأعاجيب التنافس بين الناس في هذا الأمر، تنافساً يتعب المنظِّمين في أحيان كثيرة، إذْ يحرص كل متبرع على أن يحظى بالنصيب الأكبر من عدد الصائمين حتى يفوز بأجر تفطيرهم، فما أسعدنا بهذا!!
سلام على أرضٍ رأى الجودُ وجهها مليحاً فأسقاها بماء الغمائم
وفي قرى صعيد مصر ، يخرج الشباب على الطرق السريعة يفترشون جانبا منها ويجلسون قرب المغرب معهم طعامٌ يكفى عشرات الأشخاص حتى يتم دعوة اصحاب السيارات للإفطار معهم ، يقف الشاب على الطريق ويشير بيديه على ركاب السيارة من أجل الإفطار معهم...
وأما موائد الرحمن فهي من أكثر العادات الرمضانية المتعارف وتأخذ «موائد الرحمن» في مصر، بعدا اجتماعيا شديد العمق والتأثير في التكافل الاجتماعي وتوطيد اواصره، حيث يتهز الكثير من المصريين فرصة حلول الشهر الكريم، ليقيموا هذه الموائد كل على سعته كنوع من الصدقة وفعل الخير،حتى أنه بلغ ميزانيتها في القاهرة بأكثر من مليار جنيه ، وفي خارجها من المحافظات مثل ذلك ...
واليوم اختلفت ايضا أشكال اقامة موائد الرحمن، فلم تعد تتخذ الشكل التلقيدي المتعارف عليه قديما، بل أصبح هناك خدمة التوصيل للمنازل للأسر المحتاجة والمتعففة عن الجلوس في موائد الرحمن بين العامة، خاصة السيدات الأرامل والذين يعولون أطفالا يتامى.
وعن ذلك يقول أحد القائمين على جمعية خيرية اسلامية تنفذ موائد الرحمن بهذا الشكل المبتكر: لقد لجأنا الى أسلوب جديد في اقامة موائد الرحمن، وهو استحداث توصيل طعام الإفطار الى الأسر الفقيرة، والتي يكون في الغالب عدد أفرادها كبيرا، ولا يستطيع رب الأسرة أن يصطحبهم معه الى المائدة، خاصة اذا كان بينهم بنات أو سيدات.
ويقوم مندوبو الموائد، بتوزيع وجبات الإفطار الجاهزة من خلال دراجة نارية صغيرة، يوجد به صندوق لحمل الطعام، مثل الدراجات المجهزة لخدمة التوصيل للمنازل في المطاعم السريعة، ولا تقتصر هذه الوجبات على الفقراء والمحتاجين فقط، بل تشمل العاملين في المحال التجارية والمجندين، الذين يحرسون الأبنية والبنوك، وعابري السبيل في المقاهي والشوارع، وبعض المسنين وكبار السن الذين لا يجدون من يعولهم.
... ومن نتائج رمضان ...
زيادة أعداد المعتكفين ...
فقد تسابق المؤمنين للإعتكاف في بعض المساجد حيث أنك تجد الكثير والكثير يحملون فرشهم ويتجهون إلى بيوت الله تعالى رغبة فيما عند الله وعزيمة في تطهير النفس من أدران الذنوب ...
فنجد بأن أعداد المعتكفين يزيد كل رمضان ... وعند المقارنة نجد أن بعض الكنائس يعملون جوائز سحب على سيارات وجوائز قيمة من أجل تزايد عدد رواد الكنيسة ... وهؤلاء يتنافسون على حجز الأماكن في بعض المساجد رغبة فيما عند الله ...
... ومن نتائج رمضان ...
تطبيق الناس لسنة القيام ... فنجد بأن المساجد قد اكتظت بالمصلين والمصليات ...
فنجد بأن في المسجد الحرام والمسجد النبوي يصلون فيه بالملايين ...
وفي الكويت على صغرها يوجد مسجد يصلي فيه أحد ليالي رمضان أكثر من 60 ألف مصلي ...
وجامع عمرو بن العاص في القاهرة يصلي فيه أكثر من 120 ألف مصلي في أحد ليالي رمضان ...
وكل هذا دليل على فضل هذا الشهر وأثره العظيم على أبناء المسلمين ...
... ومن نتائج رمضان ...
... ومن نتائج رمضان ...
وما ذكرته الآن ليس إلا قطرة من بحر نتائج وثمرات شهر رمضان على العباد ...
وأما الذين لم تظهر عليهم نتائج رمضان فليجتهدوا في ما بقي ... وليلحقوا بالركب فبل أن يكون الندم ...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ...